Wednesday, March 30, 2005

سمير جرجس : الدبارة -2

سمير جرجس : الدبارة -2
ع.ع.إبراهيم
http://alsahafa.info/news/index.php?type=3&id=2147496159
رحل عنا زميلنا المرحوم سمير جرجس الى الأمجاد السماوية. ومن أبرز مساهمات رفيقنا في حركة المستضعفين في الوطن انه تولى إدارة تحرير جريدة الميدان، لسان حال الحزب الشيوعي، التي تركزت أكثر ما تركزت في تدبير المال الذي يكفل صدورها. وقد جاء الى هذه المهمة الشاقة بخبرة قومه القبط في إدارة الأعمال. فانتحى باباً من الجريدة اسمه «من الميدان» خصصه لعرض حالة الجريدة المالية على أعضاء الحزب والأصدقاء والقراء. وكان كشف حال بالأحرى. فما تأخرت بلدة في سداد ما عليها حتى جاء خبرها «في الميدان». وربما استغرب أهل الصحافة الآن مما نشرناه من بلدان جاء خبرها في كشف حال سمير كيف تسللت الميدان الى بنادر وقرى وأرياف لا هي في العير ولا النفير على أيامنا هذه. وكانت تلك عصا سمير. وكان لسمير جذرة أيضاً. فقد كان يطنب في الثناء على الرفاق المبادرين المحسنين في توزيع الجريدة. فقد نوَّه بأن كوستي اصبحت في المقدمة بعد العاصمة في التوزيع وحلت محل عطبرة. وكانت عطبرة قد سبق ووزعت أكثر من بورتسودان وكوستي والأبيض مجتمعة. واشاد بتصميم رفاق كوستي على تخطي عطبرة وقد فعلوها بتوزيع «4» اضعاف ما كانوا يوزعونه قبلاً مما يصح القول معه بإمكانية ذيوع الميدان فوق ما يعتقد البعض. وكانت مناسبات مثل الإحتفال بثورة اكتوبر الإشتراكية مناسبات لدفع عجلة توزيع الميدان. فقد جاء من حلفا على شرف هذا اليوم العظيم التزامها بإضافة «58» مشتركاً جديداً وهذه زيادة «85» في المائة من مجموع المشتركين لتلحق حلفا بركب المدن الأخرى في التوزيع. كما التزمت الفاشر بكسب خمسين مشتركاً للميدان.واستصرخ سمير الرفاق بمناسبة تغريم الميدان «150» جنيهاً او السجن «9» اشهر للمحرر أن يحزموا أمرهم ويسددوا حقها عليهم اولاً قبل ان يسألوا التبرعات من الناس. وهدد أن الميدان ستتوقف إذا استمرت هذه المعاملة القاسية البشعة لها. واستصرخهم أيضاً حين لاحظ تراخي مراسلو الميدان عن كتابة رسائل أقاليمهم. وقال لهم «خصصنا للأقاليم الصفحة الثانية لاتنقص ولا نصف عمود»، وقد احجمتم مما يستغرب من جريدة تناضل من اجل الشعب وتسعى لحل مشاكله التي هي اكثر من «الهم على القلب». وتحسر يوماً أن الميدان قد خلت من اخبار عطبرة مما يدخل في عداد الفضيحة لصحيفة تتوجه للعمال بشكل رئيسي. وكانت مهارة إدارة الأعمال عند سمير تتجلى في قيادته لتوزيع الأعداد الخاصة. فهذه الأعداد التي تصدر في مناسبات مثل عيد الاستقلال أو تحية ثورة أكتوبر الإشتراكية السوفيتية هي أداة لرفع وتيرة التوزيع والتبرع وبناء حلقات القراء. فقد صدر عدد خاص لدفع غرامة الميدان وآخر بالألوان من «24» صفحة خاص بثورة اكتوبر وثمنه خمسة قروش فقط. وحسابه حاضر لا ينتظر الى آخر الشهر. وسخر سمير من مفهوم الشهر عند الرفاق. فالمعلوم بالضرورة أن الشهر «30» يوماً أو «31» يوماً إلا عند موزعي الميدان ممن شهرهم قاطعنو من راسهم. وتوزيع العدد الخاص مما قد تحسدهم عليه صحافتنا الحالية بعد نحو خمسين عاماً. فقد وزعت مدني «800» نسخة منه ونفدت الكمية في ساعة مبكرة يوم وصولها. اما عطبرة المجيدة، في قول سمير، فقد وزعت «1850» نسخة. واضاف أن هذا رقم لم تصله جريدة سودانية في أي بلد من بلاد الأقاليم من قبل. كما ابتكر سمير استفتاء الميدان القراء عن مادتها ومطلوبهم منها. فقد طبع كبوناً في الجريدة يسأل عن معدل قراءتهم للجريدة وما يقرأه الواحد من مواد وما يعجبه وما لايعجبه وما يقترح اضافته. وعلى القارئ أن يقطع الكبون ويرسله الى الجريدة على ص. ب ، الخرطوم:850 كما كان سمير يسافر بنفسه للأقاليم لقيادة حملات التبرع للميدان مثل سفره لكوستي لجمع تبرعات لحروف مطبعة الميدان الجديدة بلغت «17» جنيهاً.
وكانت الميدان تفسح أبوابها لاستجابات القراء لنداءاتها. فقد قرأ السيد نقد محمد نقد خبر غرامة الميدان ساعة الفطور. وصمم على توفير قرش الشاي ليجمع «60» قرشاً في الشهر. كما تبرع تلميذات الأحفاد الوسطي بـ «138» قرشاً مقتطعة من حق الفطور. ونظمت ضاحية بري حفلاً لدعم صدور الميدان يومية ولم يوفق الأستاذ بقادي مندوب الجريدة لحضور المناسبة لأنه ضل الطريق اليها. وقد تقدم الرسام النور آدم بلوحة لاستاذنا عبدالخالق محجوب مهداة للميدان لتزين بها مكاتبها.
ولعل من أوقع ما قرأت من تجاوب القراء مع الميدان ما قام به الرفاق بمدينة كسلا. فقد أرسلوا طرداً من موز كسلا اب نقطة وبرتقال جنائنها لمحرري الجريدة وعمال مطبعتها لما سمعوا عن تأخر مرتباتهم. وارفقوا مع هذا الطرد عنقريبين مما اشتهرت به المدينة لزوم نوم محرري السهرة الذين علموا أنهم يفترشون الغبراء. وكان رقم بوليصة الشحن بالسكة الحديد هو 444729.وكانت إدارة تمويل الميدان على الملأ خطة سياسية بليغة. فقد كان سهلاً جداً اتهام الحزب الشيوعي، وهو صاحب الجريدة، بتلقي الدعم من السوفيت للرابطية التي بينهما. وقد كثر الحديث احياناً عن «اموال موسكو» التي تتدفق على الحزب. ولم يصدق ذوو النوايا الحسنة هذه الوشاية بفضل نشاطات مثل نشاط سمير. فقد رأوا قيادياً حزبياً واقفاً بالمرصاد تتسقط أذنه «رنة قرش» الميدان في المحيريبة وواو وحلفا والنهود والفاشر وأروما. وأزال سمير بهذا الضبط المالي، وعلى المكشوف، كل لبس عن عفة يد الحزب وصحيفته. وقد روى أخيراً السيد بابكر محمد علي، رئيس تحرير الميدان بعد المرحوم حسن الطاهر زروق، أنهم كانوا أجروا مبنى بالخرطوم مملوك لسيدة من بري. وكان يضايقها بالطبع تأخير الإيجار.(وقد كنت «أجرياً» (وهذه عبارة اهل بري في المؤجرين) في بري لسنوات طويلة وأعرف التباطوء في سداد الإيجار). وكانت كلما تأخرت الميدان عن الإيجار ضجرت صاحبة الملك وقالت: «إنتو وينو ريئسهم ابو صلعة داك». وتقصد استاذنا عبدالخالق محجوب. والبادي أن هذه البرجوازية قد عرفت بالتجربة أن الشيوعيين لايحثــون روبلات موسكو حثواً.
جاء سمير للمؤسسة الأهلية بخبرة في الضبط الإداري المالي تضعه على قدم المساواة مع رجال ونساء بنوا صروحاً للشعب. قشة قشة. وهذا هو اقتصاد «قدر ظروفك». وهو الإقتصاد السياسي النبيه للحركات التي اصلها في الشعب وفرعها في الوطن. ومن هؤلاء الشيخ ابوالقاسم هاشم الذي بنى المعهد العلمي بامدرمان وكادر مؤتمر الخريجين الذي بنى المدارس بالعون الأهلي والشيخ بابكر بدري الذي نهض بمدرسة الأحفاد حتى الأستاذ محمد عمر بشير الذي ترك فينا الجامعة الأهلية بامدرمان. وقد جاء أبوالقاسم بهذه الخبرة من ديوان المهدية الذي عمل به. وجاء بابكر بدري بهذه الدقة من عمله بالتجارة أو من جيناته الرباطابية. وقد وقفت خلال إقامتي بين الرباطاب عن كثب على حرصهم على مشروعات النفع العام وسدادهم الكثير. والقائمة بلا حصر فمنهم اخي عبدالله محي الدين بعطبرة والمرحوم ابو هدية بسنكات. وقس على ذلك.رحم الله سميراً ومن سبقه من جيله اليساري الذين تفانوا، حرفياً، لبناء صرح مجيد للسودان ولكادحيه مما يستضاء بهم في الليلة الظلماء التي اثقلت على العباد.

Comments:
عزيزي مجهول الهوية .تحية مني من هنا من غزة حيث لا غاز ولا كهرباء ولا حتي وسائل انتاج كما هي ….؟ .المهم عزيزي .افتخر شخصيا بمعرفة د . تيسير حيث عرفته وانا احوج الي انسان بمفدرتة وعقليتة ولا مجال لاحد ان…؟ .وانا يا عزيزي المجهول ليس من المحلوق لهم حيث ما زالت مكانتي وان كنت تعرفني جيدا فانت بالتاكيد تعرف ذلك .وتعرف اني ليس ممن يعبدون الاشخاص او يكتبون التقارير .اما ان تكتب عن قوي الانقلاب باسم مجهول فانت بتاكيد ….كما الهاربون الي هناك…. .المهم عزيزي لنتفق انا وانت ان نجعل مدونة د. تيسير منارة لكل العاملين في المجال المرئي ولا لاستخدامها بهذا الشكل .تحية للكاتب المجهول .وتحية لدكتور تيسير
 
Post a Comment

<< Home

This page is powered by Blogger. Isn't yours?