Wednesday, March 09, 2005

سمير جرجس

أضواء / الثلاثاء
تاج السر مكي

سمير جرجس مسعود (فارس ترجل من صهوته فاترعنا حزناً) في هجير الشمس وغيظ الحر وعربة هالكة قد استأجرناها بجهد فائق، تئن تارة وتتقافز اخرى على الطريق الترابى غير المعبد بين العاصمة الخرطوم ومدينة ودمدنى حاضرة الجزيرة وعلى الطريق التقانا في ارض فضاء مسافر يحمل حملاً ثقيلاً، لم نتمعن في وجهه كثيرا فوقفته في ذاك المكان الغفر المغبر اغنتنا عن ذلك، فقد كنت وصديقى معتصم احمد حسين نتوقع امراً كلفنا به تكليفاً حزبياً وحدوثه قد يبرر كل ذلك الجهد الذى بذلناه لاستئجار تلك الشاحنة وهى تحمل عبوات من الزجاج الفارغ .. وعند اول منعطف بقرب احد سندات المحلى (القطار القشاش) الذى يتنقل عبره مزارعو الجزيرة بين قراهم العديدة، عند ذلك المنعطف سمعنا ذلك المسافر يقول لنا (سمير جرجس، مع تحياتى الى مديرية الجزيرة) واختفى سريعا خلف (السندة) ووجدنا انفسنا نتعامل مع ذلك الحمل الثقيل، وقد كان ماكينة (رونيو) كنا مكلفين بايصالها الى قيادة العمل بالجزيرة وهناك التقينا بمحمد ابراهيم نقد المسؤول الاول في المنطقة .. وكانت ثورة اكتوبر تدق ابوابها باصرار الجماهير.سمير جرجس (الخواجة) كما يحلو لاصدقائه مناداته بذلك، ظل ذكرى مستمرة وواقع نرى من خلاله السودان بمنظار شفيف وبأفق انسانى وعرفنا عنه الكثير من البطولات الاسطورية .. كان هنالك بالطبع الاعتقال التحفظى وهو كما معروف انتهاك صارخ لحقوق الانسان وعندما تكون هنالك فرصة لتقديم اي موقوف رأى للمحاكمة امام محكمة طبيعية يتباهى حكام الدولة الشمولية بذلك لكن اذا ما حكم عليه بالبراءة فسرعانما يعيدونه الى الاعتقال التحفظى وقد حدث ذلك مع المرحوم سمير لكنه اختفى في نهاية المحكمة التى قالت ببراءته وظل مختفياً يقوم بكل واجباته الوطنية والحزبية ومنها ما التقانا به في تلك الرحلة الشاقة في اكتوبر.سمير جرجس مدير تحرير جريدة الميدان وهى تقدم الروائع في توعية الجمهور بحقوقه، وكان هو هنالك يرسل دعاباته الظريفة التى اشتهر بها .. لقد كان متمسكاً بمبادئه وقد دفع ثمن ذلك حبساً جماعياً وانفرادياً ولم ينس رغم ذلك تلك المجموعة التى نشأ في كنفها، فقد اصبح رئيساً للنادى القبطى والجمعية ورأيته متحمساً لزيارة البابا شنودة للخرطوم. كان حماساً خال من ذلك التطرف بعيداً عن معناه الضار .. كان البابا شنودة يلاحق الفتنة الدينية في محاولة لاطفاء اوارها ولهيبها الحارق، وهو فيلسوف عميق الرؤيا تعامل مع تاريخ الكنيسة القبطية باعتباره تاريخ حضارة عظيمة وانسانية لصيقة بتكوين المواطن المصرى، ولها في السودان تجربة اخرى صنع جمالها وسماحتها السودانيون من مختلف النحل والعشائر.سمير جرجس مندوب المكتب التنظيمى المركزى الذى جاب كثيراً من مدن السودان منظماً ومروجاً لقناعاته وفي كل مكان خلف ذكرى لا تنسى ويذكره الجميع كصديق خفيف الظل وانسان رفيع الغايات يحب الذين حوله بعمق ويندمج في تفاصيل حياتهم.سمير جرجس ومايو : فالقليل من اشراقها ساهم في صناعته ولما استضرم بمباذلها رفضها بعمق وبعقل، لم ينكر دوره وهو يراها طريقاً لتغيير حياة الناس ولما تأكد له خطل ذلك لم يتباك حسرة وندامة لكنه عاملها في سياق الخطأ والصواب .. ترك الحزب الشيوعى حيناً وعاد اليه دون احساس بالهزيمة ..سافر الى القاهرة في ذلك الزمان عندما برر الجميع ابتعادهم عن الوطن الذى اصبح طارداً اختارها لقربها ولسهولة العودة منها والسودانيون سرعانما يألفون القاهرة فهنالك شئ منهم فيها ولسمير اصدقاء كثر من الكتاب والفنانين والمناضلين ولكنه عجز عن البقاء هناك وغادرها بليل عائداً ولينتقل من قلب الخرطوم القديمة الى ديومها. عاش عزيزاً وترجل عزيزاً وترك اسرة انموذجاً للتمازج والتسامح الدينى والعرقى ولكم استمتعنا بذلك الواقع الجميل وسعدنا بتلك الحالة التى جعلها سمير وزوجته العظيمة عفاف امراً ممكناً وطبيعياً. عزاءنا الحار لاهل السودان شيبه وشبابه واطفاله علهم يدركون ان الحياة الجميلة ممكنة ونستطيع ان تصنعها متى شئنا واين كنا وعزاءنا لابنتيه امل وسارة ولآل جرجس مسعود، رمسيس وماهر واخوانهم ولاصدقائه بابكر محمد على ومحمد ابراهيم نقد والتجانى الطيب واديب جندى ومامون يحيى منور
وغيرهم فقد رحل فارس لا يشق له غبار .. الا رحم الله سمير جرجس رحمة واسعة


Comments: Post a Comment

<< Home

This page is powered by Blogger. Isn't yours?